بقلم الدكتور فايز أبو حميدان
السياحة العلاجية هي احد المصادر الأساسية للاقتصاد الوطني في الأردن، الذي يتمتع بسمعة ومستوى خدمات طبية متقدم جدا، أصبح الأردن مقصدا لمرضى معظم الدول العربية ، بل وهناك تطلعات ليصبح مقصد سياحي علاجي عالمي .
وردت في الفترة السابقة أخبار وتصريحات من أشخاص شبه رسميين، تقول إن الدخل السنوي للسياحة العلاجية لخزينة المملكة الأردنية الهاشمية ، قد وصل إلى مليار ومائتي مليون دينار، وأن هذه الأرقام تتداول منذ سنوات وهي بارتفاع مستمر .
أن الذين يصرحون بهذه الأرقام، يدعون بأنهم يراعون في حساباتهم كل المصاريف التي ينفقها مرضى السياحة العلاجية في المستشفيات الخاصة، من مصاريف الإقامة ومصاريف أخرى، ولكن عند النظر إلى هذه الادعاءات نكتشف أنها غير صحيحة، و تنقصها المصداقية، كونها لا ترتكز الى أَسس البحث العلمي، وليست نابعة من سجل وطني دقيق، و مراقب من المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني ، فهي مجرد أرقام فلكية وخزعبلات تشكل ضررا كبيرا على اقتصاد البلد . فلو افترضنا أن 150 مريض يأتي الى الأردن يوميا للعلاج من مختلف الدول – وهو رقم مبالغ به كثيرا- ف هذا يعني دخول 50-55 ألف مريض سنويا ، ولو حسبنا ما قيمته( عشرة آلاف دينار) كفاتورة لكل مريض سياحة علاجية، فسوف يصل الدخل السنوي من السياحة العلاجية إلى 500 مليون دينار ، وبالرغم من المبالغة الشديدة لما أوردته ، فإننا لا نصل إلى مليار و200 مليون دينار كما صرح به البعض .
فعليا لا ينقصنا سوى التسلح بقلم رصاص وآلة حاسبة صغيرة لتفنيد هذه الادعاءات، فالموازنات السنوية لبعض المستشفيات الخاصة (المساهمة العامة) والتي يتم الإعلان عنها سنويا عبر الصحف الرسمية، والموازنات للمستشفيات الأخرى (المساهمة الخاصة) والتي اطلعنا على بعضها تعطي أرقام مغايرة للمليارات المعلن عنها.
لقد قمت بالاطلاع على إحصائيات من جهات متعددة، حكومية وغير حكومية، ووجدت بان كل محاولات اجراء إحصائيات دقيقة قد باءت بالفشل، فمعظم المستشفيات الخاصة لا تشارك في هذه الإحصائيات وهي غير مستعدة لفتح أوراقها المالية أمام أحد.
أخبرني أحد خبراء الإحصاء في الأردن، بأنه من المستحيل إجراء إحصاءات دقيقة بهذا الشأن، وذلك لان نصف المواطنين تقريبا، لا يحملون جوازات سفر أردنية، ولكنهم يسكنون ويعيشون في الأردن، وبذلك لا ندري أين يدرجون؟ تحت بند السياحة العلاجية؟ أم يعاملون كمرضى أردنيين؟
ما يزيد حيرتي هو أن الأرقام المزعومة في ارتفاع مستمر، وعدد المرضى العرب القادمين في انخفاض دائم، لظروف عدم الاستقرار في المنطقة منذ ثلاث سنوات.
فكيف تصنع هذه الأموال ؟؟ نحن نعلم بان المستشفيات الأردنية التي تتمتع بسمعة جيدة ، قد قامت بعلاج مرضى ليبيين لمدة سنتين، قاموا بحجز كافة الاسرة، وإغلاق الحجوزات في الفنادق، وبلغت وقتها مطالبات القطاع الخاص من الحكومة الليبية 200 مليون دولار فقط خلال عامين !!فمن أين أتى رقم المليار والمئتي مليون المزعومة ؟